عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 02-14-2011, 08:44 PM
الصورة الرمزية الاستاذ على الدين يحيى
الاستاذ على الدين يحيى الاستاذ على الدين يحيى غير متواجد حالياً
:: إدارة المنتدى ::
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
الدولة: القاهرة - حدائق الزيتون
العمر: 70
المشاركات: 2,696
إرسال رسالة عبر Yahoo إلى الاستاذ على الدين يحيى
افتراضي رد: فلسفة الرياضيات

تطور موضوع الرياضيات من "الكائنات" الى البنيات...اي من نسقها الاقليدي الكلاسيكي الى نسقها الاكسيومي


لا يتعلق الامر هنا بالتاريخ للرياضيات ككشوف وانجازات ، ان ما يهمنا هو تتبع مسار التفكير الرياضى ذاته : كيف يفكر الرياضيون ، وفيم يفكرون؟ وبما ان الرياضيات ظلت على الدوام – وما زالت- النموزج الاعلى للمعقولية ، فان الامر يتعلق بكيفية عامة بتتبع تطور التفكير العقلانى من افلاطون وارسطو الى العصر الحاضر وذلك من خلال تطور الفكر الرياضى موضوعا ومنهاجا، عبر عملية تطورية متسلسلة ، عامة ومتواصلة.

يقال عادة : يتميز علم من العلوم ، عن بقية العلوم ، بموضوعه ومنهاجه ، وان طبيعة الموضوع تحدد طبيعة المنهاج . وهذا صحيح بكيفية عامة ، ولكنه غير صحيح صحة مطلقة . واذا شئنا النظر الى تطور الرياضيات من هذه الزاوية امكننا القول : كانت الرياضيات الكلاسيكية تتميز (بالتمييز) بين الموضوع والمنهاج ، وان الرياضيات الحديثة تتميز عن الرياضيات الكلاسيكية ، وعن بقية العلوم بدمج الموضوع فى المنهاج، والمنهاج فى الموضوع .

موضوع الرياضيات فى الفكر الرياضى الكلاسيكى هو "المقادير القابلة للقياس" اى المقادير الكمية التى تصنف الى صنفين: كم منفصل (الحساب) وكم متصل (الهندسة) . وكلاهما – فى التصور الفلسفى الكلاسيكى – يرجع الى معطيات اولية اى الى افكار فطرية تشكل المحتوى الخاص بالعقل.

والمنهاج الرياضى – فى الفكر الرياضى الكلاسيكى دوما- كان يقوم ، نظرا لطبيعة الموضوع ، على الحدث والاستنتاج : حدث "الحقائق البديهية " و"الافكار الفطرية" واستنتاج حقائق جديدة من تلك . الحدث يمد الرياضيات بعنصر الخصوبة والاستنتاج يمنحها التماسك المنطقى.

ظلت الرياضيات على هذا الشكل – ومعها التفكير الفلسفى العقلانى كله - الى ان ادى نموها الداخلى العقلانى الى قيام ازمة عرفت ب"ازمة الاسس" وهى فى الحقيقة والواقع ازمة نمو، ازمة تحقيق الوحدة العضوية للرياضيات : وحدة الموضوع ووحدة المنهاج : رد الكم المتصل الى الكم المنفصل والاستغناء بالاستنتاج عن الحدس.

لكن هذا النزوع نحو الوحدة سرعان ما اصطدم بعقبات خطيرة :

* فمن جهة ادى التطور بالرياضيات الى تجاوز مايقبل القياس الى ما لا يقبله واصبحت تدرس الكم والكيف معا ، فتعددت بذلك فروع الرياضيات ، واصبح التعدد يهدد الوحدة ، والانفكاك يطغى على التماسك . فتعددت انواع "الكائنات" الرياضية ، منها ما يمكن ان يوجد له مقابل فى الواقع ومنها ما هو من نسج الخيال المحض.

* ومن جهة اخرى ساد الجبر على الهندسة وطغى المنطق على الجبر ، واصبحت الرياضيات مهددة بالعقم . ان المنطق الذى شيده ارسطو يقوم على القياس . والقياس الارسطى كما لاحظ الفلاسفة ،منذ قرون ، قياس او استدلال غير منتج : لان النتيجة متضمنة فى المقدمات فهل ستقبل الرياضيات التى امتازت دوما بالخصوبة ، بهذا المصير الذى يجعل منها مجرد عبارات تكرارية او "تحصيل حاصل"؟.

كانت ازمة النمو فى بدايتها مع بداية هذا القرن . وتلك فى الحقيقة البداية المكتملة للرياضيات الحديثة التى بلغت الان مرحلة النضج ... مرحلة تحققت فيها الوحدة العضوية بين الموضوع والمنهاج ، بين الاصول والفروع .. ومع قيام الرياضيات الحديثة بدأت ارهاصات لعقلانية جديدة تختلف عن العقلانية الكلاسيكية اختلاف الرياضيات المعاصرة عن الرياضيات القديمة.

لم تعد الرياضيات تدرس ما يسمى ب"الكائنات" الرياضية . لقد اتضح للرياضيين ان "الكائن " الرياضى "شئ " لا وجود له .

* لم يعد موضوع الرياضيات هو تلك الحقائق البديهية التى جعلت منها العقلانية الكلاسيكية عملتها الصعبة ان م وضوع الرياضيات هو العلاقات وبكلمة ادق "البنيات.. وبالتحول من الكائنات الى البنيات صار واضحا ان فروع الرياضيات ليست فروعا مستقلة ، وانما هى اشكال من البنيات تجمعها خصائص جوهرية مشتركة.

* ولم يعد المنهاج الرياضى حدسيا او استنتاجيا بالمعنى القديم لكلمة استنتاج بل اصبح عبارة عن جملة من الاجراءات والتحويلات التى تجرى على تلك البنيات ... لم يعد الستنتاج عبارة عن الكشف عما هو متضمن فى المقدمات... بل هو " جملة اجراءات تجرى على معطى ما لاستخلاص الجديد منه . فليست المسألة مسألة تحصيل حاصل .. او مجرد تكرار ... بل هى تحصيل حاصل جديد من حاصل قديم اذا صح هذا التعبير.

نعم بقيت العلاقة بين المنطق والرياضيات وطيدة جدا ... ولكن لا بالمعنى الذى فهمت به هذه العلاقة فى اوائل هذا القرن . لم تعد الرياضيات ترتد الى المنطق ، وانما "اصبح المنطق مجرد لغة يستخدمها الرياضيون، تماما مثلما يستعمل الناس لغة من اللغات قبل ان تصاغ قواعدها النحوية" وبذلك حلت مشكلة الصراع بين الرياضيات والمنطق، لقد امتصت الرياضيات المنطق ، منطق الفلاسفة ، واصبح المنطق ، ان لم يكن كله فجله، " نظرية فى البنيات المنطقية ، اى نظرية فى بعض البنيات الجبرية".

وهكذا ، فبواسطة البنيات الاولية حققت الرياضيات وحدتها : وحدة الموضوع ووحدة المنهاج، ووحدة الموضوع والمنهاج معا . لقد تمكنت اخيرا من تحقيق وحدة الفكر وصياغة لغة مشتركة لمختلف البنيات، انه مظهر من مظاهر التقدم الرائع الذى حققه الفكر البشرى فى هذا القرن.

ومع التحول من "الكائنات" الى البنيات ، وامتصاص الرياضيات للمنطق ، اصبحت الفلسفة الرياضية من اختصاص الرياضيين انفسهم . انه تحول سد النوافذ فى وجه الفيلسوف ... واصبح صعبا عليه الاطلالة على ما يجرى فى المحراب الرياضى الى اذا دخل البيوت من ابوابها ... الى اذا تحول هو نفسه الى عالم رياضى.

ومع ذلك ، بل بسبب من ذلك، اخذ الفكر الفلسفى يتلمس الحل لكثير من مشاكله القديمة بفضل منجزات الفكر العلمى ... واصبح امام نظرية فى المعرفة جديدة وعلمية تحققت فيها – او تكاد – وحدة الرؤيا . فالتقت نتائج التقدم الرياضى مع نتائج التقدم فى ميادين اخرى ، كالفيزياء وعلم النفس وعلم الاجتماع ... واصبح التأويل الذى يعطيه الرياضى لمشكل المعرفة قريبا جدا من ذلك الذى يقدمه العالم الفيزيائى والعالم السيكولوجى... وبذلك اخذت تتحقق بشكل اعمق واشمل وحدة الفكر البشرى المبدع الخلاق.
__________________


الموقع التخصصى فى رياضيات الثانوية العامة
دليلك إلى التفوق
http://www.alyeldeen.com/vb/


مسلم ومسيحى ( كلنا أهل ) - أبنى محمود وأخويا أبانوب
رد مع اقتباس